مجموعة من طرائف الأدب والقدماء (الجزء الرابع)

الجزء الرابع

من غريب الهجاء في شعر أحمد بن محمد الصخرى :

أياذا الفضائل و اللام حـاء
وياذا المكارم و الميم هـاء

ويا أنجب الناس و الباء سين
وياذا الصيانة و الصاد خاء

ويا أكتب الناس و التاء ذال
ويا أعلم الناس و العين ظاء

تجود على الكل و الدال راء
فأنت السخي ويتلـوه فـاء

لقد صرت عيباً لداء البغاء
ومن قبل كان يعاب البغاء
________

ومن اللطائف الشعرية في باب التفاؤل :

قالَ ابنُ الرُّومِيِّ في [ ديوانه: 1/ 61 ] :

إنَّما الموزُ حينَ تُمْكَنُ مِنْهُ
كاسمِهِ مبدلًا من الميمِ فاءَا

وكذا فقدُه العزيزُ علينا
كاسمِه مبدلًا من الزَّايِ تاءَا

فهُوَ الفوزُ مثلما فقدُه الـموْتُ
لقد بانَ فضلُه لا خفاءَا

ولهذا التَّأويلِ سمَّاهُ موزًا
مَن أفادَ المعانيَ الأسماءا

ولبعضِهم:

أهديتُ شيئًا يقلُّ لولا
أُحدوثةُ الفَأْلِ للتَّبرُّكْ

كُرْسِيْ تفاءلتُ منه أنِّي
رأيتُ مقلوبَهُ يَسُرُّكْ

( كرسي ) : عكسها ( يسرك )

[ رَوْحُ الرُّوح: 2/ 909 ] ______

وذكروا أنّ أعرابيّاً قُدِّم له موز،
فَجعل يقلِّبه وَيَقُول: لَا أَدْرِي، مِمَّن أتعجب، مِمَّن خاطه، أَو مِمَّن حشاه.!

و لابن جُبير-صاحب الرِّحلة- مُخاطباً مَن أهدى له موزاً:

يا مُهدِيَ الموزِ تَبْقى
ومِيمُهُ لكَ فاء

وزايُهُ عَن قَريبٍ
لِمَن يُعاديكَ تاء

[نفح الطّيب] _______

ولسعيدِ بن حُميد الكاتب:

إنِّي تفاءلتُ إذْ حُيِّيتُ بالآسِ
والآسُ في الفألِ من داءِ الهوَى آسِ

[ رَوْحُ الرُّوح: 1/ 335 ] _______

وأَهْدى بعضُهم إلى صَديقٍ لَه ( نَبقاً ) وكَتَبَ إِليه:

تَفاءَلْتُ بأنْ تَبْقى
فَأَهدَيتُ لَكَ النَّبْقا

فأَبْقاكَ إلهُ النّاسِ
ما سَرَّكَ أَن تَبْقى

وأَشْقى اللهُ شانيكَ
وحاشَا لَكَ أَن تَشْقى
_____

وجاءَ في كتاب «رَوْحِ الرُّوحِ 1/ 412»:
بعثَ بعضُهم إلى أخٍ له سِواكًا، وكتبَ إليهِ – ويُقالُ: هو لأبي سعد بن دوست – :

جعلتُ هديَّتي لكمُ سِواكَا
ولم أُوثِرْ به أحدًا سِواكَا

بعثتُ إليكَ عُودًا من أراكٍ
رجاءً أن تعودَ وأن أراكا .
______

وقالَ الشريشيُّ في «شرح مقامات الحريريِّ 4/ 322»:
وممَّا يُستظرَفُ من لفظِ السِّواكِ: قولُ بعضِ الظُّرفاءِ:

قَدْ هَجَرْتُ السِّوَاكَ مِنْ أجْلِ أنِّي
إن ذَكَرْتُ السِّوَاكَ قُلْتُ سِوَاكَا

وأُحِبُّ الأَرَاكَ مِنْ أجْلِ أنِّي
إن ذَكَرْتُ الأرَاكَ قُلْتُ أرَاكَا

________

ولأبي عبد الرَّحمن [النيلي]:

إذا رأيتَ البِعادَ فاصْبِرْ
ولا يهمَّنَّكَ البِعادُ

وانتظرِ العَوْدَ عَن قريبٍ
فإنَّ قَلْبَ الوَداعِ عادُوا

[ رَوْحُ الرُّوح: 2/ 611 ] _______

ولبعضِ أهلِ الأندلسِ:

تفاءلتُ بالتُّوتِ التَّأتِّي لزَوْرةٍ
وذلك فألٌ ما علمت صَدوقُ

فأهديتُه غضًّا حكَى حَدَقَ المها
له منظَرٌ بالـحُسْنِ منه يروقُ

فذا سَبَجٌ ما إن يُرَى كاسوِدادِهِ
وذا لاحمرارِ اللَّونِ منه عَقيقُ

[ «الكشف والتَّنبيه علَى الوصف والتشبيه 353» للصفديِّ ] ________

كتبَ أبو الفضلِ الميكاليُّ إلى بعضِ أصدقائِه يُهنِّئُه بمولودٍ:

تفاءلتُ للمولودِ في بطنِ مُصحَفٍ
فبشَّرَ بابنٍ قــادمٍ إسمُه ( يحيَـى )

فأصـدِقْ به مِـــن مُخْـبِرٍ ومُبَشِّرٍ
وأَحْرِ بأنْ أُسْمِيهِ ( يَحْيَى ) لكي يَحْيَا

وإنِّي لأرجــو اللهَ يُسْـعِدُ جَدَّهُ
فيحظَى بفَــوْزٍ في المماتِ وفي المحْـيَا

ويُكسَى رِداءَ العِلْمِ والحِلْمِ والتُّقَى
فيدرك عُقبَى مَن تعفَّفَ واسْتَحْيا

ومِمَّـــا يُقَــوِّي فيـــه ظَنِّـــيَ أنَّه
سَــمِيُّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ شـافَهَ الوَحْيَا

[ درج الغُرَر: 130 ] ______

وقال الثَّعالبيُّ في «زاد سفر الملوك 112»:
ومِنْ أحسنِ ما قيلَ في التَّفاؤُلِ بها [أي: المفازة]:
قولُ [أبي] أحمد بن أبي بكرٍ الكاتب:

قَطَعْتُ مِنْ آمُلَ الـمَفَازَهْ
قَطْعًا بِهِ آمُلُ الـمَفَازَهْ

انتهى.

( آمُل الـمَفَازَهْ ) اسمٌ من الأسماءِ الَّتي تُسمَّى بها ( آمُل ) مدينة مشهورة في غربي جَيْحون، علَى طريقِ القاصدِ إلَى بُخارَى مِن مَرْو؛ لأنَّ بينَها وبين مَرْو رمالًا صعبة المسالك، ومفازةً أشبهَ بالمهالكِ.
انظرْ: «معجم البلدان 1/ 58» لياقوت. و( آمُل ) أيضًا ( اسمُ أكبرِ مدينةٍ بطبرستان في السَّهْلِ ) «معجم البلدان 1/ 57».
وقولُهُ: ( آمُلُ الـمَفَازَهْ )؛ أي: أرجو الفَوْزَ، والنَّجاةَ.

عن ابن الأعرابي قال:
قال رجل من الأعراب لأخيه أتشرب الخازر من اللبن ولا تتنحنح ؟
فقال: نعم.
فلما شربه آذاه فقال: كبش أملح، ونبت أقبح، وأنا فيه أسجح.
فقال أخوه: قد تنحنحت.
فقال: من تنحنح فلا أفلح !!

منبع الطرافة هو الوعي وحسن التصرف، فاللبن الخازر شديد على الحنجرة والأعرابي قد قطع عهدا ألا يتنحنح لكن مهارته اللغوية أسعفته باختيار قول من جمل بسيطة تتضمن في أخبارها كلمات يكون صوت (الحاء) وبالوقوف عليها ترتاح الحنجرة لهذا الصوت الحلقي الذي ينقيها مما علق بها
ولأنه وقع طرقا في نهاية الكلمات (أملح، أقبح، أسجح) فقد صاحب حركته الإعرابية (الضمة) عند الوقف شيئا من هاء السكت التي تتيح للنفس استراحة تساعد المتكلم على التخلص من آثار شدة اللبن الخازر.
ولما فطن أخوه لهذا التصرف اللغوي واستدرك عليه واصل الأعرابي بجملة شرطية مركبة حملت أفعالها صوت الحاء أيضا فجاء الوقوف بالسكون على الحاء في (تنحنح)،
متضافرا مع التضعيف في اللفظ ليشعرَ بمواصلة النطق بالحاء، وكذلك الفتحة على لفظ (أفلح) التي تقوي من حضور هاء السكت مما تتيح للنفس امتدادا يستريح له المتكلم.
____________

جيء إلى ابن النسوي برجلين قد اتهما بالسرقة فأقامهما بين يديه ، ثم قال: شربة ماء ، فجاء بها
فأخذ يشرب ثم ألقاها من يده عمدا فوقعت فانكسرت ، فانزعج أحد الرجلين لانكسارها وثبت الآخر ،
فقال للمنزعج : اذهب أنت ، وقال للآخر: ردّ ما أخذت.
فقيل له: من أين علمت؟
فقال: اللص قوي القلب لا ينزعج ، وهذا المنزعج بريء ؛ لأنه لو تحرّكت في البيت فأرة لأزعجته ومنعته من أن يسرق !
___________

قال الجاحظ، كان رجل يُرقي الضِّرس (أي يستخدم الرُّقية للعلاج من آلام الأسنان) يَسخَرُ بالناس ليأخُذَ منهم شيئاً، وكان يقول للذي يُرقيه إيّاكَ أنْ يَخطُرَ على قلبك الليلة ذِكرُ القرد! فيبيتُ وَجِعاً فَيُبَكِّرُ إليه، فيقول لعلكَ ذكرتَ القِرد؟

فيقول نعم.

فيقول مِن ثَمَّ لَمْ تَنفُع الرُّقية.

من كتاب الأذكياء لابن الجوزي.

يقال أن رجلاً من فارس يجيد اللغة العربية بطلاقة ، حتى أنه عندما يكلم ناسا من العرب يسألونه من أي قبائل العرب أنت ؟
فيضحك، ويقول : أنا فارسي وأجيد اللغة العربية أكثر من العرب !!
فذات يوم وكعادته وجد مجلس قوم من العرب فجلس عندهم وتكلم معهم وسألوه : من أي قبائل العرب أنت ؟!!
فضحك و قال : أنا من فارس وأجيد العربية خيراً منكم

فقام أحد الجلوس وقال له :
اذهب الى فلان بن فلان رجل من الأعراب ، وكلمه فإن لم يعرف أنك من العجم فقد نجحت وغلبتنا كما زعمت …
و كان ذلك الأعرابي ذا فراسة شديدة …

فذهب الفارسي إلى بيت الأعرابي و طرق الباب
فإذا ابنة الأعرابي وراء الباب .. تقول : من بالباب ؟!!
فرد الفارسي : أنا رجل من العرب وأريد أباك
فقالت الطفلة : أبي ذهب الى الفيافي فإذا فاء الفي أفى ..
( هي تعني أن أباها ذهب إلى الصحراء فإذا حل الظلام أتى .. )

فقال لها : إلى أين ذهب ؟!!
فردت عليه مرة أخرى وقالت : أبي فاء الى الفيافي فإذا فاء الفي أفا ,,
فأخذ الفارسي يراجع الطفلة ويسأل و هي تجيب من وراء الباب…

حتى سألتها أمها… يا ابنتي من بالباب ؟
فردت الطفلة :
أعجمي عند الباب يا أمي !

( إن كانت هذه الطفلة بهذا المنطق ومعرفة اللغة ؛ فكيف لو قابل أباها ؟!)

كان أبو علقمة من المتقعرين في اللغة وكان يستخدم في حديثه غريب الألفاظ ، وفي أحد الأيام قال لخادمه : أصقعت العتاريف ؟
فأراد الخادم أن يلّقنه درسا ، فقال له كلمة ليس لها معنى وهي : زيقيلم ، فتعجب أبو علقمه ، وقال لخادمه : يا غلام
ما زيقيلم هذه ؟
فقال الخادم : وأنت ، ما صقعت العتاريف هذه ؟
فقال أبو علقمة :
معناها : أصاحت الديكة ؟
فقال له خادمه : وزيقيلم معناها : لم تصح !!
_______
وذَكرَ الجاحِظُ
أنَّه دخلَ سوقَ البَصرةِ يومًا ،
فاستَوقَفَه أعرابيٌّ ، فقالَ : يا أبا عُثمانَ ،اسمَعْ كيفَ أقولُ الشِّعرَ !
فقالَ الجَاحظُ : هاهنا في السُّوقِ يا رَجل ؟!
فقالَ : نَاشدتُكَ الله ألا سَمِعْت .
فقالَ : هاتِ ، أَسْمِعْنِي .
فقالَ الأعرابيُّ :
إِنَّ دَاءَ الحُـبِّ سُـقْـمٌ
لَيْسَ يَهْـنِـيـهِ الـقَـرَارُ

وَنَجَا مَـنْ كَانَ لَا يَـعْـ ..
ـشَقُ مِنْ تِلْكَ المخَازِي

فقالَ الجاحظُ : يا رَجُل ، القافيةُ الأُولى راءٌ والثَّانيةُ زَاي ؟!
فقالَ الرَّجلُ : لا يَهُمُّ ، فلا تُنَـقِّطْ .
فقالَ الجاحظُ وقد تميَّـزَ غَيظًا : القَافيةُ الأُولى مَضمومةٌ ، والثَّانيةُ مَكسورةٌ !!
فضَربَ الأَعرابيُّ يَدًا بِيَدٍ مُستَحْمِقًا الجاحظَ ، وقالَ : يَا سُبْحَانَ الله ! أَقولُ لَا تُنقِّطْ ، فَـيُشَكِّلْ !!
________
وعنه في كتاب البخلاء قال: وتقدم إمام فصلى , فلما قرأ الحمد افتتح بسورة يوسف , فانصرف القوم وتركوه , فلما أحس بانصرافهم قال : سبحان الله ” قل هو الله أحد ” فرجعوا فصلوا معه.
________
توفيت حمادة بنت عيسى بن علي وحضر المنصور جنازتها.
فلما وقف على حفرتها قال لأبي دلامة: ما أعددت لهذه الحفرة؟
قال: بنت عمك يا أمير المؤمنين حمادة بنت عيسى يجاء بها الساعة فتدفن فيها.
فغلب المنصور الضحك حتى ستر وجهه بطرف ردائه حياء من الناس .

(صعد الْمِنْبَر أَعْرَابِي، فَقَالَ: أَقُول لكم مَا قَالَ العَبْد الصَّالح: (مَا أريكم إِلَّا مَا أرى وَمَا أهديكم إِلَّا سَبِيل الرشاد)، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا فِرْعَوْن، فَقَالَ: قد وَالله أحسن القَوْل).
[أدب المجالسة، لابن عبد البر].

••••••

تنبّأَ رجلٌ في زمان المهدي فجاء به حراسه إليه ، فقال له المهدي مداعباً: إلى من بُعِثتَ يا هذا ؟
فقال الرجل: وهل تركتموني أُبعث، فما هو إلا أن نويت الصدع بالحق حتى أحاط بي هؤلاء الأنذال، فانعموا بما انتم فيه من الضلال.

••••••

ذكروا أن أعرابيًّا عضَّه ثعلبٌ، فسارعَ به أهلُهُ إلى أحدِ الرُّقاة، فقال له الراقي: ما الذي عضَّكَ؟ فاسْتحْيا الأعرابيُّ – وقد كان ذلك سُبَّة، فكيف للرجُلِ أن يعُضَّهُ ثعلبٌ- فسكت الأعرابيُّ و تشَاغَلَ بالوجع، فلم يُبالِ به الراقي و شرع في رُقيته، فلمَّا أشرفَ على الانتهاء دنى إليه الأعرابي وهمس في أُذنه وقال له: إن شئتَ أن تخلِطَ رُقيتَكَ بشيءٍ من رقْيةِ الثعلب، فافعل أصلحك الله .

••••••

عن ناصر بعزيز

شاب من الجزائر, مهتم بالأمور التقنية وشغوف بالبحث والتعلم. يشرفني التواصل معكم, وأنا في الخدمة لأي مساعدة. للتواصل معي يرجى استخدام وسائل الإتصال المتاحة أعلى الموقع.

شاهد أيضاً

مجموعة من الطرائف الأدبية وطرائف القدماء (الجزء الخامس والأخير)

الجزء الخامس والأخير ( ومن لطائف المنقول أنَّ رجلاً قال لهشام القرطبيِّ: كَمْ تَعُدُّ ؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *